مكتب حازم المدني محامون و مستشارون قانونيون

التطورات التشريعية في نظام الاستثمار السعودي: تحليل أثرها على البيئة الاستثمارية

في السنوات الأخيرة، شهدت المملكة العربية السعودية تطورات كبيرة في المجال الاقتصادي والمالي، مع تركيز خاص على تعزيز بيئة الاستثمار وجذب الاستثمارات الأجنبية. يأتي نظام الاستثمار السعودي الجديد كجزء من رؤية المملكة 2030، وهي الخطة الطموحة التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتقليل الاعتماد على النفط. يتضمن النظام الجديد العديد من التحديثات التي تهدف إلى تحسين البيئة الاستثمارية في المملكة، وجعلها أكثر جذبًا للمستثمرين المحليين والأجانب. في هذا المقال، سنستعرض أبرز التحديثات الواردة في نظام الاستثمار السعودي الجديد.
صدر النظام الجديد في 11 أغسطس 2024 بموجب الرسوم الملكي رقم (19/م)، ومن المفترض ان يدخل حيز النفاذ في فبراير المقبل لعام 2025.

أولًا: تطورات الاستثمار في ضوء نظام الاستثمار القديم

قبل التطرق لتفاصيل النظام الجديد، من المهم إلقاء الضوء على ملامح الاستثمار في ظل النظام الحالي. يتميز النظام الحالي بعدة جوانب إيجابية وسلبية أثرت على جاذبية الاستثمار في المملكة. من الإيجابيات التي يتمتع بها النظام الحالي هو الإطار القانوني المتين حيث يوفر النظام الحالي إطارًا قانونيًا واضحًا يحمي حقوق المستثمرين المحليين والأجانب ويضمن لهم بيئة استثمارية مستقرة.

ثانيًا: الحاجة إلى نظام استثمار جديد يوائم أهداف المملكة

منذ إطلاق رؤية المملكة 2030، قامت السعودية بإصدار عدد من الأنظمة في إطار سلسلة من الإصلاحات التنظيمية والتشريعية التي تهدف إلى تحسين بيئتها الاستثمارية. تعمل هذه الأنظمة جنبًا إلى جنب مع نظام الاستثمار، وتشمل أنظمة المعاملات المدنية، والتخصيص، والشركات، والإفلاس، بالإضافة إلى مبادرة إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة.
ولا يخفى على احد كون نظام الاستثمار الأجنبي الحالي لديه مميزات كثيرة وقد ساهم في تحقيق جزء كبير من أهداف المملكة فيما يخص لاستثمار، إلا أنه في زيادة الأهداف وكبر شأنها في المملكة كانت بحاجة إلى جذب الاستثمار على نحو افضل على النحو الذي يتماشى مع الأهداف المستقبلية للملكة.

ثالثأ: أبرز ما جاء به نظام الاستثمار الجديد

يشكل نظام الاستثمار الجديد إطارًا موحدًا لحقوق وواجبات المستثمرين، مما يعزز المبادئ الراسخة في المملكة مثل سيادة القانون، والمعاملة العادلة، وحقوق الملكية، وحرية إدارة الاستثمارات، وحماية الملكية الفكرية، وسهولة تحويل الأموال.

1. مسمى ونطاق النظام

o نظام الاستثمار المحدث

يتميز نظام الاستثمار المحدث بتوحيد الأحكام الخاصة بالمستثمرين المحليين والأجانب تحت مظلة قانونية واحدة. هذا التوحيد يعكس توجه المملكة نحو المساواة في المعاملة وتعزيز بيئة استثمارية متكاملة تتسم بالشفافية والوضوح. من خلال نظام الاستثمار، يُسمح للمستثمرين المحليين والأجانب بالعمل في المملكة بنفس الشروط والضوابط، مما يعزز من جاذبية السوق السعودي للاستثمار.

o نظام الاستثمار الأجنبي

كان نظام الاستثمار الأجنبي السابق يقتصر على تنظيم أحكام المستثمرين الأجانب فقط، مما خلق نوعًا من الازدواجية في التعامل بين المستثمرين المحليين والأجانب. هذا النظام القديم كان يشمل شروطًا وإجراءات خاصة للاستثمار الأجنبي، مما كان قد يؤدي في بعض الأحيان إلى تحديات وعوائق أمام المستثمرين الأجانب الراغبين في دخول السوق السعودي.

2. متطلبات الاستثمار

o نظام الاستثمار المحدث

في إطار سعي المملكة لتحرير النشاط الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات، تم إلغاء شرط الحصول على ترخيص خاص للاستثمار. هذا الإلغاء يسهم في تبسيط الإجراءات وتخفيف العبء البيروقراطي على المستثمرين. كما تم تحرير ممارسة الأنشطة الاقتصادية بشكل كبير، مع قصر الاستثناءات على قائمة محددة من الأنشطة التي تضعها اللجنة الوزارية الدائمة لفحص الاستثمارات الأجنبية، وفق معايير موضوعية.

o نظام الاستثمار الأجنبي

على النقيض، كان نظام الاستثمار الأجنبي القديم يتطلب من المستثمر الأجنبي الحصول على ترخيص استثماري لمزاولة الأعمال. كما كان يتطلب إصدار قائمة أنواع الأنشطة المستثناة من الاستثمار الأجنبي من قبل مجلس الوزراء، مما كان قد يحد من حرية المستثمرين في اختيار مجالات استثمارهم.

3. معاملة المستثمر المحلي والأجنبي

o نظام الاستثمار المحدث

يقدم النظام الجديد ضمانًا للمساواة في المعاملة بين المستثمرين المحليين والأجانب. هذه المساواة في المعاملة تعتبر تطورًا هامًا، حيث تساهم في تعزيز التنافسية وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، فضلاً عن دعم المستثمرين المحليين بتوفير فرص متساوية للنمو والتوسع.

o نظام الاستثمار الأجنبي

لم يكن النظام القديم يتضمن أي نصوص تضمن المساواة في المعاملة بين المستثمرين المحليين والأجانب، مما كان قد يخلق نوعًا من التفرقة وعدم الوضوح في التعامل مع المستثمرين.

4. المحفزات الاستثمارية

o نظام الاستثمار المحدث

تم تعزيز حوكمة منح المحفزات الاستثمارية في النظام الجديد، مما يتيح تقديم تسهيلات أكبر للمستثمرين وفق معايير واضحة وشفافة. هذا التطوير يهدف إلى جذب الاستثمارات النوعية التي تساهم في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية للمملكة.

o نظام الاستثمار الأجنبي

لم يكن النظام القديم يتضمن أي آليات واضحة أو حوكمة لمنح المحفزات الاستثمارية، مما كان قد يضعف من جاذبية الاستثمار في المملكة ويحد من قدرة النظام على استقطاب الاستثمارات النوعية.

5. حقوق المستثمر

o نظام الاستثمار المحدث

تمت مواءمة حقوق المستثمرين في النظام الجديد مع مبادئ وسياسات الاستثمار الدولية، مما يعزز من حماية حقوق المستثمرين ويضمن لهم حرية التصرف في نشاطهم الاستثماري وحرية تحويل رؤوس الأموال. كما يتضمن النظام أحكامًا واضحة لحماية الملكية الفكرية والمعلومات التجارية السرية، بالإضافة إلى معالجة شاملة لأحكام نزع الملكية المباشر وغير المباشر.

o نظام الاستثمار الأجنبي

كان النظام القديم يحدد حقوقًا محددة للمستثمرين الأجانب، بما في ذلك إمكانية تحويل الأموال، ولكنه لم يتضمن نفس المستوى من التفصيل والشمولية في حماية الحقوق كما هو الحال في النظام المحدث. كذلك، كان يعالج فقط أحكام نزع الملكية المباشر دون الإشارة إلى النزع غير المباشر.

6. المخالفات والعقوبات

o نظام الاستثمار المحدث

تم وضع معايير واضحة لتحديد المخالفات الجسيمة وغير الجسيمة في اللائحة التنفيذية للنظام، مع مراعاة مبدأ التدرج في فرض العقوبات، مما يضمن التوازن والعدالة في تطبيق العقوبات. كما يأخذ النظام بعين الاعتبار تكرار المخالفة وحجم المنشأة وجسامة العقوبة، مما يعكس توجهاً نحو تعزيز العدالة والشفافية في التعامل مع المستثمرين.

o نظام الاستثمار الأجنبي

لم يكن النظام القديم يتضمن نفس المستوى من التفصيل في تحديد المخالفات والعقوبات، مما قد يؤدي إلى تفاوت في تطبيق العقوبات وعدم وضوح في الإجراءات المتعلقة بالمخالفات.

7. تسوية المنازعات

o نظام الاستثمار المحدث

يوفر النظام الجديد للمستثمرين المحليين والأجانب حق اللجوء إلى المحكمة المختصة في حال حدوث نزاع مع الجهة الحكومية، ما لم يتفق أطراف النزاع على غير ذلك. كما يسمح النظام باللجوء إلى الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، بما في ذلك التحكيم والوساطة والمصالحة، مما يعزز من مرونة النظام ويوفر خيارات متعددة للمستثمرين.

o نظام الاستثمار الأجنبي

كان النظام القديم يقتصر على تسوية النزاعات وديًا بين المستثمر الأجنبي والحكومة، مما قد يحد من خيارات المستثمرين في حال عدم التوصل إلى تسوية ودية.
يشكل نظام الاستثمار السعودي الجديد نقلة نوعية في مسيرة المملكة نحو تحقيق أهداف رؤية 2030. من خلال توفير بيئة استثمارية جاذبة ومحفزة، يساهم هذا النظام في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتنويع الاقتصاد، وخلق فرص عمل جديدة. إن الإلغاء التدريجي للقيود على الاستثمار الأجنبي، وتوحيد المعاملة بين المستثمرين المحليين والأجانب، وتعزيز حوكمة منح الحوافز الاستثمارية، كلها عوامل تساهم في تعزيز الثقة لدى المستثمرين. ومع ذلك، يتطلب نجاح هذا النظام تضافر الجهود من قبل جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. وبالتأكيد، فإن تحقيق الأهداف الطموحة التي وضعتها رؤية 2030 يتطلب استمرار الإصلاحات وتطوير التشريعات، والعمل على بناء اقتصاد واعد ومستدام.