مكتب حازم المدني محامون و مستشارون قانونيون

نيابة الملكية الفكرية في المملكة: ثورة في البنية القضائية وتعزيز الابتكار والإبداع

في ضوء السعي الدائم للمملكة العربية السعودية نحو تعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية ودعم الإبداع والابتكار، أقر مجلس النيابة العامة برئاسة معالي النائب العام الشيخ سعود بن عبدالله المعجب إنشاء “نيابة الملكية الفكرية”. إذ يأتي ذلك في سياق إنفاذ مبادرة صاحب السمو ولي العهد الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز “الإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية” والتي تسعى إلى تحقيق مجتمع قائم على احترام الجهود الإبداعية.

إن إنشاء نيابة مختصة بالملكية الفكرية يعد متماشيًا مع الاستراتيجية إذ أنها تستهدف توفير بيئة متميزة لتطوير الخدمات القضائية في مجالات الملكية الفكرية، وتأسيس منظومة متكاملة تعزز الابتكار والاقتصاد. وتشمل الاستراتيجية تحقيق مجتمع يحترم الجهود الإبداعية، من خلال إنشاء ضوابط ومعايير وطنية لحماية حقوق الملكية الفكرية، مع نظام فعّال للتعويضات ووساطة متطورة لتسوية النزاعات.

وعلى صعيدًا آخر، لا يخفى على أحد كون فكرة النيابة الخاصة بقضايا الملكية الفكرية تأتي متسقة مع رؤية المملكة 2030 والتي تعتبر الملكية الفكرية أحد مستهدفاتها الرئيسية. ومن ناحية أخرى، تتماشى النيابة الجديدة مع امتداد عملية التحديث والتطوير للمنظومة القضائية والنيابة العامة، كما يأتي ذلك في سياق جهود المملكة نحو تحقيق العدالة الناجزة.

هذا المقال يستعرض بإيجاز أهمية إنشاء نيابة الملكية الفكرية، وتأثيرها المتوقع على البنية القضائية للملكية الفكرية، بالإضافة إلى الأهداف المرجوة من وراء تأسيسها وكيفية تعزيز الحماية القانونية للحقوق الفكرية في المجتمع.

أولًا: اختصاصات نيابة الملكية الفكرية

تعد نيابة الملكية الفكرية إحدى أجنحة السلطة القضائية التي تعمل على حماية حقوق الملكية الفكرية في المجتمع. تتولى هذه النيابة مجموعة واسعة من الاختصاصات، إذ يُستهدف من إنشائها تعزيز وتنظيم الابتكار والإبداع في المجتمع، وتحقيق التوازن بين حقوق المبتكرين والجمهور العام.

وفي هذا السياق، يعد أهم الوظائف التي تقوم بها النيابة هو إجراء التحقيقات اللازمة في انتهاكات حقوق الملكية الفكرية المقررة في نظام العلامات التجارية، ونظام حماية حقوق المؤلف، وبراءات الاختراع والتصميمات التخطيطية للدارات المتكاملة والأصناف النباتية والنماذج الصناعية. وعليه، تعمل النيابة على النظر في القضايا المحالة من الجهات الضبطية مثل الهيئة السعودية للملكية الفكرية وغيرها.

ثانيًا: تأثير إنشاء نيابة الملكية الفكرية على البنية القضائية للملكية الفكرية

واحدة من الأهداف الرئيسة المرجوة من إنشاء نيابة متخصصة في مجال الملكية الفكرية هو خلق بيئة متميزة وفعالة لتقديم خدمات قضائية للمملكة، الأمر الذي من المتوقع أن ينتج عنه:

تحسين وزيادة فاعلية تحقيقات النيابة العامة في قضايا الملكية الفكرية، وذلك لأن عملية التحقيقات ستمارس عن طريق دوائر ونيابات متخصصة في مجالات حقوق الملكية الفكرية.
تسريع وتيرة البت في القضايا المتعلقة بانتهاك حقوق الملكية الفكرية. إذ أنه تتميز النيابات المتخصصة في مجال الملكية الفكرية بوجود قضاة ووكلاء نيابة يتمتعون بخبرة واسعة في هذا المجال، مما يجعلهم أكثر قدرة على فهم القضايا المتعلقة بالملكية الفكرية وحلها بشكل أسرع.
زيادة عدد القضايا التي يتم التحقيق فيها والمتعلقة بانتهاك حقوق الملكية الفكرية، حيث إن توفر النيابة آليات سهلة للإبلاغ عن انتهاكات حقوق الملكية الفكرية، مما يشجع أصحاب الحقوق على الإبلاغ عن أي انتهاكات يتعرضون لها.

ثالثًا: الأهداف المرجوة من إنشاء نيابة الملكية الفكرية

تسعى نيابة الملكية الفكرية إلى تعزيز المناخ القانوني والتشريعي الملائم للملكية الفكرية، وتوفير الحماية القانونية لحقوق المبتكرين والمبدعين، وتشجيع الاستثمار في الابتكار والبحث والتطوير. وفي هذا السياق، يستهدف من انشاء الملكية الفكرية:

– تعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية في المملكة العربية السعودية
إذ يدل ذلك على التزام الحكومة بإنفاذ قوانين الملكية الفكرية بشكل فعال، وردع الانتهاك، وتوفير سبل الانتصاف لأصحاب الحقوق. ثانياً، يتيح وجود آلية مخصصة للملاحقة القضائية معالجة أكثر كفاءة للقضايا المتعلقة بالملكية الفكرية، مما يقلل من تراكم الأعمال والتأخير في الإجراءات القانونية. وثالثا، يعزز الإطار القانوني المحيط بالملكية الفكرية، ويوفر مبادئ توجيهية وإجراءات أكثر وضوحا للتسجيل والإنفاذ وحل النزاعات.

– جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز بيئة الأعمال
توفر نيابة الملكية الفكرية الضمانات للمستثمرين الأجانب بحماية ابتكاراتهم من الاستخدام غير المصرح به، مما يعزز الثقة ويشجع على المزيد من الاستثمارات. كما تعزز هذه الحماية الابتكار وتحفز الشركات المحلية والأجنبية على البحث والتطوير، وتمنح الشركات الممتلكة للملكية الفكرية ميزة تنافسية تجذب المستثمرين الأجانب، كما تساهم في نقل التكنولوجيا وتحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، وبالتالي، توفر بيئة القانونية المواتية لجذب الاستثمار الأجنبي.

– تحفيز الإبداع، والابتكار، ودعم المبدعين والمبتكرين
تحفز نيابة الملكية الفكرية الابتكار من خلال تزويد المبدعين والمبتكرين بضمانات بأن جهودهم ستتم مكافأتها وحمايتها. إذ أن هذه النيابة تؤدي إلى زيادة ثقة أصحاب الحقوق في قدرة النظام القضائي على حماية حقوقهم. الأمر الذي ينتج عنه تشجيع الشركات المحلية والأجنبية على حد سواء على الاستثمار في البحث والتطوير، مما يؤدي إلى إنشاء منتجات وتقنيات وعمليات جديدة.

– رفع مستوى الوعي حول أهمية الملكية الفكرية في المجتمع
فمن خلال الملاحقة القضائية النشطة لقضايا انتهاك الملكية الفكرية، تُظهر محاكمة الملكية الفكرية مدى الجدية التي يتم بها التعامل مع حقوق الملكية الفكرية. وهذا يبعث برسالة واضحة للأفراد والشركات حول أهمية احترام قوانين الملكية الفكرية.

رابعًا: النظم المشابهة دوليًا:

تعد نيابة الملكية الفكرية السعودية خطوة جريئة نحو تعزيز حماية الابتكار والإبداع في المملكة، حيث تسعى لمواءمة النظام المحلي مع المعايير الدولية. ولا يخفى على أحد كون أنه هناك نيابات متشابه حول العالم تختص بالنيابة الملكية، إلا أنها تختلف من حيث المسميات والهياكل التنظيمية لها.
وعلى سبيل المثال، وبالمقارنة مع نظيرتها الإماراتية، تتشابه النيابتان في الهدف الأساسي وهو توفير بيئة جاذبة للاستثمار والابتكار، وتقديم الحماية القانونية اللازمة لحقوق الملكية الفكرية. ومع ذلك، تختلف الإجراءات والهياكل التنظيمية التفصيلية بين النظامين، مما يعكس خصوصية كل منهما وتطور التشريعات المحلية. وعلى الرغم من هذه الاختلافات، فإن كلا النظامين يسعيان إلى الانسجام مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، مثل اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية، مما يساهم في تعزيز التعاون الدولي في مجال حماية الملكية الفكرية.

ختامًا، لا يخفى على أحد أن إنشاء نيابة الملكية الفكرية يمثل خطوة فعالة نحو تعزيز الحماية القانونية للحقوق الفكرية في المملكة العربية السعودية، وتعزيز بيئة ملائمة للابتكار والإبداع. إذ تتضمن اختصاصات هذه النيابة مجموعة واسعة من المهام التي تهدف إلى تنظيم وحماية الابتكار والإبداع، مما يسهم في رفع مستوى الوعي بأهمية الملكية الفكرية وجذب الاستثمارات الأجنبية. ومن المتوقع أن يؤثر إنشاء هذه النيابة بشكل إيجابي على البنية القضائية للملكية الفكرية، وكذلك يعزز التحقيقات ويسرع من معالجة القضايا المتعلقة بها، ويسهم في بناء اقتصاد المعرفة والاستثمار في الابتكار والبحث والتطوير في المملكة.